كيف كانت بداية المعاناة مع العدو الخفي؟
قد تبدو كلمة العدو الخفي غريبة عند التعبير عن الإدمان، إلا أن هذا المصطلح من واقع تجربتي المريرة، ففي باديء الأمر لم أكن اعرف السبب الذي كاد يدمر ابني ويهدد استقرار أسرتي، لم أرى سوى ابن ضال ضائع لا يعرف طريق الرجوع ولم أكن أعرف السبب الفعلي وراء كل هذا التغيير، لاحظت أن ابني أصبح غريبًا وسلوكه غير مألوف، فاقدًا للاهتمام بكل فرد من أسرته على غير عادته، منعزلًا ومنطويًا في غرفته ولا يتحدث إلى أحد، فاقدًا للشغف والاهتمام بممارساته التي يحبها وكان يقضي بها معظم وقته، كثير الكذب ومتقلب المزاج، ومنفعلًا وغاضبًا لأتفه الأسباب وهذا على غير عادته، فقد كان هادئًا مبتسمًا ويحب الحياة.
وبالرغم من كثرة التغييرات التي لاحقته إلا أنها لم تكن كافية لي كأم كي أتنبأ بمشكلة إدمانه، لقد ظننت أنه يعاني من مشكلة نفسية أو عاطفية وحاولت أن أعرف منه حقيقة الأمر إلا أنه لم يعطني سبب مقنع أو مبرر لتصرفاته، وكلما حاولت أتناقش معه انصرف عني مهرولًا، وهكذا استمرت الأوضاع لفترة.
اقرأ أيضاً عن:
صفات متعاطي المخدرات وأشهر تصرفاته اليوميةأخيرًا عرفت حقيقة إدمانه
في الحقيقة، الأمر لم يكن سهلًا واستغرق مني الكثير من البحث والمراقبة عن بعد لأعرف سبب هذا التغيير، لم يتطرق إلى ذهني أن هذا قد يعني بداية إدمانه، وبمرور الوقت ازداد الوضع سوءً ولاحظت الكثير من التغييرات والسلوكيات الأكثر غرابة على الإطلاق بالنسبة لابني، فقد امتنع تمامًا عن حضور الصف وكذلك عن دخول الامتحانات، وهذا أكثر ما أثار دهشتي لأنه كان متفوقًا للغاية ولا شيء يستدعي عدم حضوره للإمتحان.
ومع ذلك استمر الوضع وأنا أحاول البحث ومعرفة الحقيقة، حتى بدأت ألاحظ أنه فقد الكثير من علاقاته بأصدقائه المقربين وأصبح على علاقة بأشخاص مجهولين ليسوا من محيط الأسرة أو الجيران أو المعارف حتى، كما بدأت أشعر بغياب بعض الأشياء الثمينة من المنزل مثل خاتم ذهب لشقيقته، وساعة ثمينة لوالده، لم أربط بين غياب هذه الأشياء وسلوكيات ابني الغريبة وهذا ما جعلني استغرق الكثير من الوقت لحين الوصول للحقيقة المؤلمة.

فريقنا الطبي موجود لدعمك ومساعدتك فلا تتردد بالتواصل الان
فريقنا الطبي موجود لدعمك ومساعدتك فلا تتردد بالتواصل الان
تكرر أمر فقدان الأشياء وازداد الأمر سوءً حتى تم سرقة أموال من خزانة المنزل، فلا نجد ما نشتري به الطعام وهذا أمر يدل على أن السارق من أفراد المنزل وعلى علم جيد بأماكن الأموال، لم يتبادر إلى ذهني سوى ابني الذي لاحظت أيضًا أنه أصبح مهملًا في نفسه فلا يهتم بمظهره أو عنايته الشخصية كسابق عهده.
ودخلت مهرولة إلى غرفته أبحث عن طرف خيط يدلني فيما ينفق هذه الأموال ولماذا أصبح بهذا السوء، وبعد بحث مطول وجدت أغراضًا غريبة وأكياس صغيرة بها مواد غير مألوفة، كما وجدت عدة إبر للحقن ملقاة في سلة مهملاته، ومن هنا كانت بداية الرحلة المأساوية في محاربة الإدمان، ومن هنا بدأت اقرأ وأبحث مرارًا وتكرارًا لمعرفة الحل مع الابن المدمن وكيف يمكنني إدارة الأمر بنجاح.
اقرأ أيضاً عن:
أساليب التعامل مع المدمن أثناء فترة العلاج وبعدهامحاولة إقناع ابني بتلقي العلاج
بعدما عاد ابني متأخرًا لاحظت أنه لا يبدو في حالته الطبيعية، فقد اعتاد على العودة وجيمعنا نائمون، كانت أول مرة أجده تحت تأثير المخدر الذي يتعاطاه، نظرت له نظرة تعقبها الحسرة والأسى وتركته ينام وأجلت الحديث معه لحين يستفيق لأفهم منه ماهية الأمر، وفي الصباح أيقظته وأحضرت له كوبًا من القهوة وأغلقت باب الغرفة وتوددت معه في الحديث حتى يشعر بالأمان، وبدأت كلامي بأنني أحبه وأهتم لأمره ولا أراه في أحسن حال وأخبرته أنه أصبح هزيلًا ونحيلًا وتغيرت ملامحه، شعرت بأن لديه ما يريد أن يخبرني به لكنه خائف، كان صامتًا يريد سماعي فقط على غير عادته.
ففي المرات السابقة عندما كنت أحاول فهم ما أصابه كان يراوغني أو يتركني ويذهب، فبدأت أشعر بشفقة حيال هذا الجسم النحيل البائس الذي تبدو عليه علامات الحزن والهم والخوف، رأيته وكأنه طفل صغير يريد البكاء، فاقتربت منه وأخبرته أنني على علم بما حل به وأن هذا السر سيظل بيننا ولن أخبر به أحد حتى يأذن لي وأنني أتفهم الأمر.
شعرت بمدى دهشته بسبب أنني لم أنهره أو أتهكم عليه لسوء فعلته، وهذا أثار رغبته في الحديث معي فبدأ يحكي قصته وأخبرني أنه غارقًا في الإدمان وكلما حاول الإقلاع أصابه ألم نفسي وجسدي شديد، كما أعترف لي بأن الأفعال التي ارتكبها لم تكن بمحض إرادته بل كانت تحت تاثير التعاطي أو أعراض انسحاب المخدرات، أخبرته أنه بحاجة للعلاج بشكل طبي متخصص وأنه بحاجة للتعافي في أسرع وقت والعودة لدراسته واستعادة حياته الطبيعية وحماية مستقبله من الفشل.
اقرأ أيضاً عن:
كيفية إقناع مدمن المخدرات بالعلاج وهل يمكن علاجه بالقوة؟في باديء الأمر رفض قرار العلاج خوفًا من الألم الذي ينتابه عند التأخر عن موعد الجرعة، ولكن بعد محاولات عديدة باءت معظمها بالفشل تقبل الأمر وبدأت أسرد له عن قصص أشخاص متعافين وقصص لآخرين دمر المخدر حياتهم، وأخبرته بمصيره المحتوم إذا لم نبدأ بالعلاج بشكل فوري، وبعد عدة مساومات منه لتأجيل بدء العلاج إلا أنني لم أيأس أو أمل وكان الصبر والهدوء المدعومان بالتحدي هما شعاري.
وأخيرًا وبعد طول انتظار تمكنت من اصطحابه إلى المركز لعلاج الإدمان المتخصص في علاج حالات الإدمان، وبعد قضاء فترة ليست طويلة في المستشفى التي تلقيت فيها كامل الدعم والحب والعلاج تمكنت أخيرًا من رؤية ابني بملامحه الحقيقية التي يملأها الحب والأمل، وكانت تلك التجربة درسًا قاسيًا لكلًا منا.